وقيل: الآية في المؤمنين فبعضهم يسجد طوعًا؛ لخفة امتثال أوامر الشرع عليه، وبعضهم يسجد كرهًا؛ لثقل مشقة التكليف عليه مع أن إيمانه يحمله على تكلف ذلك. والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى:{بِالْغُدُوِّ} يحتمل أن يكون مصدرًا، أو يحتمل أن يكون جمع غداة، والآصال جمع أصل بضمتين، وهو جمع أصيل وهو ما بين العصر والغروب، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل
أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى أنَّه هو المستحق لأن يعبد وحده؛ لأنه هو الخالق وحده، ولا يستحق من الخلق أن يعبدوه إلَّا من خلقهم وأبرزهم من العدم إلى الوجود؛ لأن المقصود من قوله:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} إنكار ذلك، وأنه هو الخالق وحده بدليل قوله بعده:{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي خالق كل شيء هو المستحق لأن يعبد وحده، ويبين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم} الآية وقوله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وقوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)} وقوله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} إلى غير ذلك من الآيات؛ لأن المخلوق محتاج إلى خالقه فهو عبدِ مربوب مثلك يجب عليه أن يعبد من خلقه وحده، كما يجب عليك ذلك، فأنتما سواء بالنسبة إلى وجوب عبادة الخالق وحده لا شريك له.