قوله:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} الآية، أي: لتركبن أيها الإنسان حالًا بعد حال من صغر إلى كبر، ومن صحة إلى سقم، كالعكس، ومن غنى إلى فقر كالعكس، ومن موت إلى حياة كالعكس، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر وهكذا. والقراءة الثانية وبها قرأ من السبعة نافع وابن عامر وأَبو عمرو وعاصم لتركبن بضم الباء، وهو خطاب عام للناس المذكورين في قوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧)} إلى قوله {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠)} الآية. ومعنى الآية لتركبن أيها الناس حالًا بعد حال، فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور، وفي الآخرة من هول إلى هول.
فإن قبل: يجوز بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن على قراءة ضم الباء أن يكون المعنى لتركبن أيها الناس طبقًا بعد طبق، أي سماء بعد سماء حتَّى تصعدوا فوق السماء السابعة، كما تقدم نظيره في قراءة فتح الباء خطابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان هذا جائزًا في لغة القرآن، فما المانع من حمل الآية عليه؟
فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أن ظاهر القرآن يدل على أن المراد بالطبق الحال المتنقل إليها من موت ونحوه وهول القيامة بدليل قوله بعده مرتبًا له عليه بالفاء: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١)} فهو قرينة ظاهرة على أن المراد إذا كانوا ينتقلون من حال إلى حال ومن هول إلى هول فما المانع لهم من أن يؤمنوا ويستعدوا لتلك الشدائد، ويؤيده أن العرب تسمى الدواهي بنات طبق كما هو معروف في لغتهم.
الوجه الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم هم المخاطبون