للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب، أي: وهو ماء الرجل، ومنه ما هو خارج من الترائب، وهو ماء المرأة، وذلك في قوله جل وعلا: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)} لأن المراد بالصلب صلب الرجل وهو ظهره، والمراد بالترائب ترائب المرأة، وهي موضع القلادة منها؛ ومنه قول امرئ القيس:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل

واستشهد ابن عباس لنافع بن الأزرق على أن الترائب موضع القلادة بقول المخبل، أو ابن أبي ربيعة:

والزعفران على ترائبها ... شرقًا به اللبات والنحر

فقوله هنا: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)} يدل على أن الأمشاج هي الأخلاط المذكورة. وأمر الإنسان بأن ينظر مم خلق في قوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} تنبيه له على حقارة ما خلق منه؛ ليعرف قدره، ويترك التكبر والعتو، ويدل لذلك قوله: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠)} الآية.

وبين جل وعلا حقارته بقوله: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)} والتعبير عن النطفة بما الموصولة في قوله: {مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)} فيه غاية تحقير ذلك الأصل الذي خلق منه الإنسان. وفي ذلك أعظم ردع، وأبلغ زجر عن التكبر والتعاظم.

وقوله جل وعلا: {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)} أظهر القولين