بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} الآية، وقوله:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} الآية، وأشار بقوله:{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل. وبين ذلك في غير هذا الموضع، كقوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢)} وقوله: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ}.
وبين هنا: أن الإنسان إذا جاء أجله لا يستأخر عنه، كما أنه لا يتقدم عن وقت أجله. وأوضح ذلك في مواضع أخر، كقوله:{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} الآية، وقوله:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن قوله تعالى:{مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} فيه وجهان للعلماء:
أحدهما: أنه خاص بالكفار؛ لأن الذنب ذنبهم، والله يقول:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ومن قال هذا القول قال: {مِنْ دَابَّةٍ} أي: كافرة، ويروي عن ابن عباس. وقيل: المعنى أنه لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء.
وجمهور العلماء، منهم ابن مسعود، وأبو الأحوص، وأبو هريرة وغيرهم -كما نقله عنهم ابن كثير وغيره- على أن الآية عامة، حتى إن ذنوب بني آدم لتهلك الجعل في جحره، والحباري في وكرها، ونحو ذلك، لولا أن الله حليم لا يعجل بالعقوبة، ولا يؤاخذهم بظلمهم.