كذاك ترتيب لإيجاب العمل ... بما له الرجحان مما يحتمل
ومعنى كلام صاحب المراقي: أنه يقدم محتمل اللفظ الراجح على المحتمل المرجوح، كالتأصل، فإنه يقدم على الزيادة؛ نحو:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يحتمل كون الكاف زائدة، ويحتمل أنها غير زائدة. والمراد بالمثل الذات، كقول العرب: مثلك لا يفعل هذا، يعنون أنت لا ينبغي لك أن تفعل هذا. فالمعنى: ليس كالله شيء. ونظيره من إطلاق المثل وإرادة الذات:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} أي: على نفس القرآن، لا شيء آخر مماثل له، وقوله:{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} أي: كمن هو في الظلمات، وكالاستقلال، فإنه يقدم على الإضمار، كقوله تعالى:{أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآية. فكثير من العلماء يضمرون قيودًا غير مذكورة فيقولون: أن يقتلوا إذا قتلوا، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم إذا أخذوا المال ولم يقتلوا. . الخ.
فالمالكية يرجحون أن الإمام مخير بين المذكورات مطلقًا؛ لأن استقلال اللفظ أرجح من إضمار قيود غير مذكورة؛ لأن الأصل عدمها حتى تثبت بدليل، كما أشرنا إليه سابقًا في (المائدة) وكذلك التأسيس يقدم على التأكيد، وهو محل الشاهد، كقوله:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في (سورة الرحمن) وقوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في (المرسلات) قيل: تكرار اللفظ فيهما توكيد، وكونه تأسيسًا أرجح لما ذكرنا، فتحمل الآلاء في كل موضع على ما تقدم قبل