المسألة الأولى: لا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ عقلًا وشرعًا، ولا في وقوعه فعلًا، ومن ذكر عنه خلاف في ذلك كأبي مسلم الأصفهاني: فإنه إنما يعني أن النسخ تخصيص لزمن الحكم بالخطاب الجديد؛ لأن ظاهر الخطاب الأول استمرار الحكم في جميع الزمن. والخطاب الثاني دل على تخصيص الحكم الأول بالزمن الذي قبل النسخ، فليس النسخ عنده رفعا للحكم الأول.
وقد أشار إليه في مراقي السعود بقوله في تعريف النسخ:
رفع لحكم أو بيان الزمن ... بمحكم القرآن أو بالسنن
وإنما خالف فيه اليهود وبعض المشركين، زاعمين أنه يلزمه البداء كما بينا، ومن هنا قالت اليهود: إن شريعة موسى يستحيل نسخها.
المسألة الثانية: لا يصح نسخ حكم شرعي إلا بوحي من كتاب أو سنة؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)} وبه تعلم أن النسخ بمجرد العقل ممنوع، وكذلك لا نسخ بالإجماع؛ لأن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه ما دام حيًا فالعبرة بقوله وفعله وتقريره - صلى الله عليه وسلم -، ولا حجة معه في قول الأمة؛ لأن اتباعه فرض على كل أحد، ولذا لابد في تعريف الإجماع من التقييد بكونه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، كما قال صاحب المراقي في تعريف الإجماع: