حَدِيثًا (٨٧)} {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} فقد ربط جل وعلا في هذه الآية الكريمة بين النسخ، وبين الإتيان ببدل المنسوخ على سبيل الشرط والجزاء، ومعلوم أن الصدق والكذب في الشرطية يتواردان على الربط، فيلزم أنه كلما وقع النسخ وقع الإتيان بخير من المنسوخ أو مثله كما هو ظاهر.
وما زعمه بعض أهل العلم من أن النسخ وقع في القرآن بلا بدل، وذلك في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} فإنه نسخ بقوله: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ. .} الآية، ولا بدل لهذا المنسوخ.
فالجواب: أن له بدلًا، وهو أن وجوب تقديم الصدقة أمام المناجاة لما نسخ بقي استحباب الصدقة وندبها، بدلًا من الوجوب المنسوخ كما هو ظاهر.
المسألة الرابعة: اعلم أنه يجوز نسخ الأخف بالأثقل، والأثقل بالأخف. فمثال نسخ الأخف بالأثقل: نسخ التخيير بين الصوم والإطعام المنصوص عليه في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بأثقل منه، وهو تعيين إيجاب الصوم في قوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ونسخ حبس الزواني في البيوت المنصوص عليه بقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} الآية، بأثقل منه وهو الجلد والرجم المنصوص على الأولى منهما في قوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وعلى الثاني منهما بآية الرجم التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها ثابتًا، وهي قوله: {والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة