للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحي من الله تعالى. فمثال نسخ السنة بالكتاب: نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام، فإن استقبال بيت المقدس أولًا إنما وقع بالسنة لا بالقرآن، وقد نسخه الله بالقرآن في قوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية. ومثال نسخ الكتاب بالسنة: نسخ آية عشر رضعات تلاوة وحكمًا بالسنة المتواترة؛ ونسخ سورة الخلع وسورة الحفد تلاوة وحكمًا بالسنة المتواترة. وسورة الخلع وسورة الحفد: هما للقنوت في الصبح عند المالكية.

وقد أوضح صاحب (الدر المنثور) وغيره تحقيق أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نسختا، وقد قدمنا (في سورة الأنعام) أن الذي يظهر لنا أنه الصواب: هو أن أخبار الآحاد الصحيحة يجوز نسخ المتواتر بها إذا ثبت تأخرها عنه، وأنه لا معارضة بينهما؛ لأن المتواتر حق، والسنة الواردة بعده إنما بينت شيئًا جديدًا لم يكن موجودًا قبل، فلا معارضة بينهما ألبتة لاختلاف زمنهما.

فقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ} الآية، يدل بدلالة المطابقة دلالة صريحة على إباحة لحوم الحمر الأهلية؛ لصراحة الحصر بالنفي والإثبات في الآية في ذلك. فإذا صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يوم خيبر في حديث صحيح "بأن لحوم الحمر الأهلية غير مباحة" فلا معارضة البتة بين ذلك الحديث الصحيح وبين تلك الآية النازلة قبله بسنين؛ لأن الحديث دل على تحريم جديد، والآية ما نفت تجدد شيء في المستقبل كما هو واضح.

فالتحقيق إن شاء الله: هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد