قال بعض أهل العلم: إن هذا مثل ضربه الله لأهل مكة، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحكاه مالك عن الزهري رحمه الله، نقله عنهم ابن كثير وغيره.
وهذه الصفات المذكورة التي اتصفت بها هذه القرية: تتفق مع صفات أهل مكة المذكورة في القرآن؛ فقوله عن هذه القرية:{كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} قال نظيره عن أهل مكة، كقوله:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} الآية، وقوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} الآية، وقوله:{وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وقوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} الآية. وقوله:{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} قال نظيره عن أهل مكة أيضًا، كقوله:{إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا} وقوله: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)} فإن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن، ورحلة الصيف كانت إلى الشام، وكانت تأتيهم من كلتا الرحلتين أموال وأرزاق، ولذا أتبع الرحلتين بامتنانه عليهم: بأن أطعمهم من جوع. وقوله في دعوة إبراهيم:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الآية، وقوله:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الآية.