قال مقيده -عفا الله عنه-: والجواب عن هذا السؤال ظاهر، وهو أنه أطلق اسم اللباس على ما أصابهم من الجوع والخوف؛ لأن آثار الجوع والخوف تظهر على أبدانهم، وتحيط بها كاللباس. ومن حيث وجدانهم ذلك اللباس المعبر به عن آثار الجوع والخوف أوقع عليه الإذاقة، فلا حاجة إلى ما يذكره البيانيون من الاستعارات في هذه الآية الكريمة. وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز): أنه لا يجوز لأحد أن يقول: إن في القرآن مجازًا، وأوضحنا ذلك بأدلته وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازًا أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية.
وقد اختلف أهل البيان في هذه الآية، فبعضهم يقول: فيها استعارة مجردة؛ يعنون أنها جيء فيها بما يلائم المستعار له. وذلك في زعمهم أنه استعار اللباس لما غشيهم من بعض الحوادث كالجوع والخوف، بجامع اشتماله عليهم كاشتمال اللباس على اللابس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية التحقيقية، ثم ذكر الوصف الذي هو الإذاقة ملائمًا للمستعار له الذي هو الجوع والخوف؛ لأن إطلاق الذوق على وجدان الجوع والخوف جري عندهم مجري الحقيقة لكثرة الاستعمال؛ فيقولون: ذاق البؤس والضر، وأذاقه غيره إياهما، فكانت الاستعارة مجردة لذكر ما يلائم المستعار له، الذي هو المشبه في الأصل في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة. ولو أريد ترشيح هذه الاستعارة في زعمهم لقيل: فكساها؛ لأن الإتيان بما يلائم المستعار منه الذي هو المشبه به في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة يسمى "ترشيحًا" والكسوة تلائم