اللباس، فذكرها ترشيح للاستعارة. قالوا: وإن كانت الاستعارة المرشحة أبلغ من المجردة، فتجريد الاستعارة في الآية أبلغ؛ من حيث إنه روعي المستعار له الذي هو الخوف والجوع، بذكر الإذاقة المناسبة لذلك ليزداد الكلام وضوحًا.
وقال بعضهم: هي استعارة مبنية على استعارة؛ فإنه أولًا استعار لما يظهر على أبدانهم من الاصفرار والذبول والنحول اسم اللباس، بجامع الإحاطة بالشيء والاشتمال عليه، فصار اسم اللباس مستعارًا لآثار الجوع والخوف على أبدانهم، ثم استعار اسم الإذاقة لما يجدونه من ألم ذلك الجوع والخوف المعبر عنه باللباس، بجامع التعرف والاختيار في كل من الذوق بالفم، ووجود الألم من الجوع والخوف؛ وعليه ففي اللباس استعارة أصلية كما ذكرنا، وفي الإذاقة المستعارة لمس ألم الجوع والخوف استعارة تبعية.
وقد ألممنا هنا بطرف قليل من كلام البيانيين هنا ليفهم الناظر مرادهم، مع أن التحقيق الذي لا شك فيه: أن كل ذلك لا فائدة فيه، ولا طائل تحته، وأن العرب تطلق الإذاقة على الذوق، وعلى غيره من وجود الألم واللذة، وأنها تطلق اللباس على المعروف، وتطلقه على غيره مما فيه معنى اللباس من الاشتمال؛ كقوله:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}.