فيفهم من الآية أن الباغي والعادي كلاهما متجانف لإثم، وهذا غاية ما يفهم منها. وقال بعض العلماء: الإثم الذي تجانف إليه الباغي هو الخروج على إمام المسلمين، وكثيرا ما يطلق اسم البغي على مخالفة الإمام، والإثم الذي تجانف إليه العادي هو إخافة الطريق، وقطعها على المسلمين، ويلحق بذلك كل سفر في معصية الله. اهـ. وقال بعض العلماء: إثم الباغي والعادي أكلهما المحرم مع وجود غيره، وعليه فهو كالتأكيد لقوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ}، وعلى القول الأول لا يجوز لقاطع الطريق، والخارج على الإمام الأكل من الميتة وإن خافا الهلاك، ما لم يتوبا، وعلى الثاني يجوز لهما أكل الميتة إن خافا الهلاك، وإن لم يتوبا.
ونقل القرطبي عن قتادة، والحسن، والربيع، وابن زيد، وعكرمة، أن المعنى: غَيْرَ بَاغٍ أي: في أكله فوق حاجته، وَلا عَادٍ بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة، ويأكلها. ونقل أيضا عن السدي أن المعنى غَيْرَ بَاغٍ في أكلها شهوة وتلذدًا، وَلا عَادٍ باستيفاء الأكل إلى حد الشبع. وقال القرطبي أيضا: وقال مجاهد وابن جبير وغيرهما: المعنى غَيْرَ بَاغٍ على المسلمين، وَلا عَادٍ عليهم، فيدخل في الباغي والعادي قطاع الطريق، والخارج على السلطان، والمسافر في قطع الرحم، والغارة على المسلمين، وما شاكله، وهذا صحيح. فإن أصل البغي في اللغة قصد الفساد يقال: بغت المرأة بغاء إذا فجرت.
قال الله تعالى:{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} وربما استعمل البغي في طلب غير الفساد، والعرب تقول: خرج الرجل في بغاء