للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أوضح الأدلة القرآنية على ذلك قوله جل وعلا: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} فإنها رؤيا عين يقظة لا رؤيا منام؛ كما صح عن ابن عباس وغيره.

ومن الأدلة الواضحة على ذلك: أنها لو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة، ولا سببًا لتكذيب قريش؛ لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار؛ لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح. فالذي جعله الله فتنة هو ما رآه بعينه من الغرائب والعجائب؛ فزعم المشركون أن من ادعي رؤية ذلك بعينه فهو كاذب لا محالة، فصار فتنة لهم. وكون الشجرة الملعونة التي هي شجرة الزقوم على التحقيق فتنة لهم - أن الله لما أنزل قوله: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤)} قالوا: ظهر كذبه؛ لأن الشجر لا ينبت بالأرض اليابسة، فكيف ينبت في أصل النار! كما تقدم في البقرة.

ويؤيد ما ذكرنا من كونها رؤيا عين يقظة قوله تعالى هنا: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} الآية، وقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)} وما زعمه بعض أهل العلم من أن الرؤيا لا تطلق بهذا اللفظ لغة إلا على رؤيا المنام مردود. بل التحقيق: أن لفظ الرؤيا يطلق في لغة العرب على رؤية العين يقظة أيضًا، ومنه قول الراعي وهو عربي قح:

فكبر للرؤيا وهش فؤاده ... وبشر نفسًا كان قبل يلومها

فإنه يعني رؤية صائد بعينه. ومنه أيضًا قول أبي الطيب:

• ورؤياك أحلى في العيون من الغمض*