بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ... } الآية. ويؤيد ذلك حديث عائشة الصحيح "فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"، مع أن جماعة من أهل العلم قالوا: إن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر ساء حفظه في تلك الرواية المذكورة عن أنس، وزاد فيها ونقص، وقدم وأخر. ورواها عن أنس غيره من الحفاظ على الصواب، فلم يذكروا المنام الذي ذكره شريك المذكور. وانظر رواياتهم بأسانيدها ومتونها في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى، فقد جمع طرق حديث الإسراء جمعًا حسنًا بإتقان. ثم قال رحمه الله: والحق أنه عليه الصلاة والسلام أسرى به يقظة لا منامًا من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب، ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتى بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السموات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزليهما صلى الله وسلم عليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام -أي: أقلام القدر- بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى، وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسندًا ظهره إليه؛ لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه