وليس قصدنا هنا تفصيل أحكام السرقة، وشروط القطع، كالنصاب والإخراج من حرز، ولكن مرادنا أن نبين أن قطع يد السارق من هدي القرآن للتي هي أقوم.
وذلك أن هذه اليد الخبيثة الخائنة، التي خلقها الله لتبطش وتكتسب في كل ما يرضيه من امتثال أوامره، واجتناب نهيه، والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني - فمدت أصابعها الخائنة إلى مال الغير لتأخذه بغير حق، واستعملت قوة البطش المودعة فيها في الخيانة والغدر، وأخذ أموال الناس على هذا الوجه القبيح يد نجسة قذرة، ساعية في الإخلال بنظام المجتمع، إذ لا نظام له بغير المال، فعاقبها خالقها بالقطع والإزالة، كالعضو الفاسد الذي يجر الداء بسائر البدن، فإنه يزال بالكلية، إبقاء على البدن، وتطهيرًا له من المرض. ولذلك فإن قطع اليد يطهر السارق من دنس ذنب ارتكاب معصية السرقة، مع الردع البالغ بالقطع عن السرقة.
قال البخاري في صحيحه:"باب: الحدود كفارة" حدثنا محمد بن يوسف، أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس، فقال:"بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا ولا تزنوا -وقرأ هذه الآية كلها- فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" اهـ هذا لفظ البخاري في صحيحه. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح