للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الوجود والعدم لا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد من جهة واحدة، وكذلك الحركة والسكون مثلًا، وكذلك الأبوة والبنوة، فكل ذات ثبتت لها الأبوة لذات استحالت عليها البنوة لها، بحيث يكون شخص أبًا وابنًا لشخص واحد؛ كاستحالة اجتماع السواد والبياض في نقطة بسيطة، أو الحركة والسكون في جرم، وكذلك البصر والعمى لا يجتمعان.

فخيلوا لهم أن التقدم والتمسك بالدين متباينان تباين مقابلة، بحيث يستحيل اجتماعهما؛ فكان من نتائج ذلك انحلالهم من الدين رغبة في التقدم فخسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

والتحقيق: أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين بالنظر إلى العقل وحده، وقطع النظر عن نصوص الكتاب والسنة = إنما هي تباين المخالفة، وضابط المتباينين تباين المخالفة أن تكون حقيقة كل منهما في حد ذاتها تباين حقيقة الآخر، ولكنهما يمكن اجتماعهما عقلًا في ذات أخرى، كالبياض والبرودة، والكلام والقعود، والسواد والحلاوة.

فحقيقة البياض في حد ذاتها تباين حقيقة البرودة، ولكن البياض والبرودة يمكن اجتماعهما في ذات واحدة كالثلج، وكذلك الكلام والقعود، فإن حقيقة الكلام تباين حقيقة القعود، مع إمكان أن يكون الشخص الواحد قاعدًا متكلمًا في وقت واحد. وهكذا فالنسبة بين التمسك بالدين والتقدم بالنظر إلى حكم العقل من هذا القبيل، فكما أن الجرم الأبيض يجوز عقلًا أن يكون باردًا كالثلج، والإنسان القاعد يجوز عقلًا أن يكون متكلمًا، فكذلك