والثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، المعروف عند أهل الأصول بالتحسينيات والتتميميات. وكل هذه المصالح الثلاث هدى فيها القرآن العظيم للطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها.
فالضروريات التي هي درء المفاسد: إنما هي درؤها عن ستة أشياء:
الأولى: الدين، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وفي آية الأنفال: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وقال تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" الحديث، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من بدل دينه فاقتلوه" إلى غير ذلك من الأدلة على المحافظة على الدين.
والثاني: النفس، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها بأقوم الطرق وأعدلها، ولذلك أوجب القصاص درءًا للمفسدة عن الأنفس، كما قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ} الآية، وقال:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية، وقال:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} الآية.
الثالث: العقل، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ -إلى قوله- فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر حرام" وقال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" كما قدمنا ذلك مستوفى "في سورة النحل" وللمحافظة على العقل