نتائج ذلك ما ذكره الله جل وعلا في قوله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢١)} فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنهم لم يقدروا عليها، وأن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها، وذلك من نتائج قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.
فدلت الآية على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي وغلبته له: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)} وقوله تعالى في هذه الآية: {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق، كما تقرر في الأصول. ووجهه ظاهر؛ لأن الفعل الصناعي "أعني الذي يسمى في الاصطلاح فعل الأمر أو الفعل الماضي أو الفعل المضارع" ينحل عند النحويين، وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل كأمن من أمن
وعند جماعة من البلاغيين ينحل عن مصدر وزمن ونسبة، وهذا هو الظاهر كما حرره بعض البلاغيين، في بحث الاستعارة التبعية.
فالمصدر إذن كامن في مفهوم الفعل إجماعًا، فيتسلط النفي الداخل على الفعل على المصدر الكامن في مفهومه، وهو في المعنى نكرة، إذ ليس له سبب يجعله معرفة، فيئول إلى معنى النكرة في سياق النفي. وهي من صيغ العموم.