فإذا عرفت الوجهين المذكورين فاعلم أنا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها للعلماء قولان، أو أقوال، وكلها حق، ويشهد له قرآن، فنذكر جميع الأقوال وأدلتها من القرآن؛ لأنها كلها حق، والوجهان المذكوران في تفسير هذه الآية الكريمة كلاهما يشهد له قرآن.
أما على القول الأول بأن المراد بطائره عمله: فالآيات الدالة على أن عمل الإنسان لازم له كثيرة جدًا؛ كقوله تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية، وقوله: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)} وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦)} وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} والآيات بمثل هذا كثيرة جدًا.
وأما على القول بأن المراد بطائره نصيبه الذي طار له في الأزل من الشقاوة أو السعادة = فالآيات الدالة على ذلك أيضًا كثيرة، كقوله {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} وقوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي: للاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم، وقوله:{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} وقوله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)}، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{فِي عُنُقِهِ} أي: جعلنا عمله، أو ما سبق له من شقاوة في عنقه؛ أي: لازمًا له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه؛ ومنه قول العرب: تقلدها طوق