للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: خرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه وكذبوا رسله {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} أي: وجب عليها الوعيد {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)} أي: أهلكناها إهلاكًا مستأصلًا. وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم.

وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة، كقوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ .. } الآية. فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا} أي: أمرناهم بالطاعة فعصوا، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء.

ومن الآيات الدالة على هذا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)} فقوله في هذه الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ .. } الآية، لفظ عام في جميع المترفين من جميع القرى أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم: إنا بما أرسلتم به كافرون، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم. والآيات بمثل ذلك كثيرة.

وبهذا التحقيق تعلم: أن ما زعمه الزمخشري في كشافه من أن معنى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي: أمرناهم بالفسق ففسقوا، وأن هذا مجاز تنزيلًا لإسباغ النعم عليهم الموجب لبطرهم وكفرهم منزلة الأمر بذلك = كلام كله ظاهر السقوط والبطلان؛ وقد أوضح إبطاله أبو حيان في "البحر"، والرازي في تفسيره، مع أنه لا يشك منصف عارف في بطلانه.