للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا القول الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم: أمرته فعصاني، أي: أمرته بالطاعة فعصى. وليس المعنى: أمرته بالعصيان كما لا يخفى.

القول الثاني في الآية: هو أن الأمر في قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمر كوني قدري، أي: قدرنا عليهم ذلك وسخرناهم له؛ لأن كلًا ميسر لما خلق له، والأمر الكوني القدري كقوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)} وقوله: {عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} وقوله: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)}.

القول الثالث في الآية: أن {أَمْرُنَا} بمعنى أكثرنا، أي: أكثرنا مترفيها ففسقوا.

وقال أبو عبيدة {أَمْرُنَا} بمعنى أكثرنا لغة فصيحة كآمرنا بالمد. ويدل لذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن سويد بن هبيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير مال امرئ مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة".

قال ابن كثير: قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتابه (الغريب): المأمورة: كثيرة النسل، والسكة: الطريقة المصطفة من النخل، والمأبورة: من التأبير، وهو تعليق طلع الذكر على النخلة لئلا يسقط ثمرها. ومعلوم أن إتيان المأمورة على وزن المفعول يدل على أن أمر بفتح الميم مجردًا عن الزوائد متعد بنفسه إلى المفعول، فيتضح كون أمره بمعنى أكثر. وأنكر غير واحد تعدي أمر الثلاثي بمعنى الإكثار إلى المفعول وقالوا: حديث سويد