مالك، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبي بردة، فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون بأفواههم، نقله صاحب المغني. وحمل أهل القول الأول هذه الأحاديث والآثار على حال الضرورة، ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عباد بن شرحبيل اليشكري الغبري - رضي الله عنه - قال: أصابتنا عاما مخمصة فأتيت المدينة فأتيت حائطا من حيطانها، فأخذت سنبلا ففركته وأكلته وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال:"ما أطعمته إذ كان جائعا أو ساغبا، ولا علمته إذ كان جاهلا، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد إليه ثوبه، وأمر له بوسق من طعام، أو نصف وسق" فإن في هذا الحديث الدلالة على أن نفي القطع والأدب إنما هو من أجل المخمصة.
وقال القرطبي في تفسيره عقب نقله لما قدمنا عن عمر - رضي الله عنه -: قال أبو عبيد: وإنما وجه هذا الحديث أنه رخص فيه للجائع المضطر، الذي لا شيء معه يشتري به ألا يحمل إلا ما كان في بطنه قدر قوته، ثم قال: قلت: لأن الأصل المتفق عليه تحريم مال الغير إلا بطيب نفس منه. فإن كانت هناك عادة بعمل ذلك كما كان في أول الإسلام، أو كما هو الآن في بعض البلدان فذلك جائز. ويحمل ذلك على أوقات المجاعة والضرورة، كما تقدم. والله أعلم. اهـ منه.
وحجة من قال بالفرق بين المحوط وبين غيره، أن إحرازه بالحائط دليل على شح صاحبه به وعدم مسامحته فيه، وقول ابن عباس: إن كان عليها حائط فهو حريم فلا تأكل، وإن لم يكن عليها