للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: أن المعروف من طبع الناس عند حضور الموت: الإنابة والتوبة والندم على ما سلف من العمل السيء، وقد دلت على ذلك آيات قرآنية، كقوله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)} وقوله: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} وقوله: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤)} إلى غير ذلك من الآيات.

فهذا معهود من طبع الإنسان، ولا يعلم من عادته أن يدع قاتله ويعدل إلى غيره، وما خرج عن هذا نادر في الناس لا حكم له.

الأمر الثاني: أن قصة قتيل بني إسرائيل تدل على اعتبار قول المقتول دمي عند فلان؛ فقد استدل مالك بقصة القتيل المذكور على صحة القول بالقسامة بقوله: قتلني فلان، أو دمي عند فلان -في رواية ابن وهب وابن القاسم-.

ورد المخالفون هذا الاستدلال بأن إحياء القتيل معجزة لنبي الله موسى، وقد أخبر الله تعالى أنه يحييه، وذلك يتضمن الإخبار بقاتله خبرًا جزمًا لا يدخله احتمال، فافترقا.

ورد ابن العربي المالكي هذا الاعتراض بأن المعجزة إنما كانت في إحياء المقتول، فلما صار حيًا كان كلامه كسائر كلام الناس كلهم في القبول والرد.

قال: وهذا فن دقيق من العلم لم يتفطن له إلا مالك، وليس