الأول: أن معنى كونه {قَيِّمًا} أنه قيم على ما قبله من الكتب السماوية، أي مهيمن عليه. وعلى هذا التفسير فالآية كقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .. } الآية.
ولأجل هيمنته على ما قبله من الكتب قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)}، وقال: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)}، وقال:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} الآية.
الوجه الثاني: أن معنى كونه {قَيِّمًا}: أنه قيم بمصالح الخلق الدينية والدنيوية. وهذا الوجه في الحقيقة يستلزمه الوجه الأول.
واعلم أن علماء العربية اختلقوا في إعراب قوله:{قَيِّمًا}؛ فذهب جماعة إلى أنه حال من الكتاب، وأن في الآية تقديمًا وتأخيرًا، وتقديره على هذا: أنزل على عبده الكتاب في حال كونه قيمًا ولم يجعل له عوجًا. ومنع هذا الوجه من الإعراب الزمخشري في "الكشاف" قائلًا: إن قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١)} معطوف على صلة الموصول التي هي جملة: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} والمعطوف على الصلة داخل في حيز الصلة، فجَعْل {قَيِّمًا} حال من {الْكِتَابَ} يؤدي إلى الفصل بين الحال وصاحبها ببعض الصلة، وذلك لا يجوز.
وذهب جماعة آخرون إلى أن {قَيِّمًا} حال من {الْكِتَابَ}