الموضع الأول مفعول الإنذار الأول، وحذف في الثاني مفعول الثاني، فصار المذكور دليلًا على المحذوف في الموضعين. وتقدير المفعول الأول المحذوف في الموضع الأول: لينذر الذين كفروا بأسًا شديدًا من لدنه. وتقدير المفعول الثاني المحذوف في الموضع الثاني: وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدًا بأسًا شديدًا من لدنه.
وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى أن هذا القرآن العظيم تخويف وتهديد للكافرين، وبشارة للمؤمنين المتقين؛ إذ قال في تخويف الكفرة به:{لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، وقال: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)}. وقال في بشارته للمؤمنين: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢)}.
وهذا الذي ذكره هنا من كونه إنذارًا لهؤلاء وبشارة لهؤلاء؛ بينه في مواضع أخر، كقوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)}، وقوله: {المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)}.
وقد أوضحنا هذا المبحث في أول سورة الأعراف، وأوضحنا هنالك المعاني التي ورد بها الإنذار في القرآن.
والبأس الشديد الذي أنذرهم إياه: هو العذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
والبشارة: الخبر بما يسر. وقد تطلق العرب البشارة على الإخبار بما يسوء، ومنه قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٧)}. ومنه