والذي يدل عليه القرآن: أن الحزبين كليهما من أصحاب الكهف. وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وذلك في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول.
ولقائل أن يقول: قوله عنهم: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} يدل على أنهم لم يحصوا مدة لبثهم. والله تعالى أعلم.
وقد يجاب عن ذلك بأن رَدَّ العلم إلى الله لا ينافي العلم، بدليل أن الله أعلم نبيه بمدة لبثهم في قوله:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ} الآية، ثم أمره برد العلم إليه في قوله:{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} الآية.
وقوله:{بَعَثْنَاهُمْ} أي: من نومتهم الطويلة. والبعث: التحريك من سكون، فيشمل بعث النائم والميت، وغير ذلك.
وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها: أن يذكر الله جل وعلا حِكمة لشيء في موضع، ويكون لذلك الشيء حِكَم أُخر مذكورة في مواضع أخرى؛ فإنا نُبينها، ومثلنا لذلك، وذكرنا منه أشياء متعددة في هذا الكتاب المبارك.
وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى هنا في هذه الآية الكريمة بين من حِكَم بعثهم: إظهاره للناس أيّ الحزبين أحصى لِما لبثوا أمدًا. وقد بين لذلك حِكَمًا أخر في غير هذا الموضع.