أما الحج عن الميت والمعضوب، والصوم عن الميت، فقد دلت أدلة أخر على النيابة في ذلك. وإن خالف كثير من العلماء في الصوم عن الميت؛ لأن العبرة بالدليل الصحيح من الوحي، لا بآراء العلماء إلا عند عدم النص من الوحي.
الفرع الثاني: ويجوز التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها، سواء كان الموكل حاضرًا أو غائبًا، صحيحًا أو مريضًا. وهذا قول جمهور العلماء، منهم مالك والشافعي وأحمد وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وغيرهم. وقال أبو حنيفة: للخصم أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرًا غير معذور، لأن حضوره مجلس الحكم ومخاصمته حق لخصمه عليه، فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه. وقد قدمنا في كلام القرطبي أن هذا قول سحنون أيضًا من أصحاب مالك. واحتج الجمهور بظواهر النصوص لأن الخصومة أمر لا مانع من الاستنابة فيه.
قال مقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- في مسألة التوكيل على الخصام والمحاكمة: أن الصواب فيها التفصيل.
فإن كان الموكل ممن عرف بالظلم والجبروت والادعاء بالباطل: فلا يقبل منه التوكيل لظاهر قوله تعالى: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥)}. وإن كان معروفًا بغير ذلك فلا مانع من توكيله على الخصومة. والعلم عند الله تعالى.