للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا شركة الأعمال ففيها تفصيل عند الحنفية. فإن كان العمل من الصناعات ونحوها جازت عندهم شركة الأعمال، ولا يشترطون اتحاد العمل أو تلازمه؛ خلافًا للمالكية كما تقدم. فيجوز عند الحنفية أن يشترك خياطان مثلًا، أو خياط وصباغ على أن يتقبلا الأعمال، ويكون الكسب بينهما، وكل عمل يتقبله أحدهما يلزمهما؛ وإذا عمل أحدهما دون الآخر فما حصل من عمله فهو بينهما. وإنَّما استحق فيه الذي لم يعمل لأنَّه ضمنه بتقبل صاحبه له، فاستحق نصيبه منه بالضمان.

وهذا النوع الذي أجازه الحنفية لا يخفى أنَّه لا يخلو من غرر في الجملة عند اختلاف صنعة الشريكين؛ لاحتمال أن يحصل أحدهما أكثر مما حصله الآخر. فالشروط التي أجاز بها المالكيّة "شركة الأعمال" أحوط وأبعد من الغرر كما ترى.

وأمَّا إن كانت الأعمال من جنس اكتساب المباحات فلا تصح فيها الشركة عند الحنفية؛ كالاحتطاب والاحتشاش، والاصطياد واجتناء الثمار من الجبال والبراري، خلافًا للمالكية والحنابلة.

ووجه منعه عند الحنفية: أن من اكتسب مباحًا كحطب أو حشيش أو صيد ملكه ملكًا مستقلًا؛ فلا وجه لكون جزء منه لشريك آخر؛ لأنَّه لا يصح التوكيل فيه ومن أجازه قال: إن كل واحد منهما جعل للآخر نصيبًا من ذلك المباح الذي يكتسبه في مقابل النصيب الذي يكتسبه الآخر. والمالكية القائلون بجواز هذا يشترطون اتحاد العمل أو تقاربه، فلا غرر في ذلك، ولا موجب للمنع. وفي اشتراط ذلك عند الحنابلة خلاف كما سيأتي إن شاء الله.