والمرتفق: مكان الارتفاق. وأصله أن يتكئ الإنسان معتمدًا على مرفقه. وللعلماء في المراد بالمرتفق في الآية أقوال متقاربة في المعنى. قيل مرتفقًا: أي منزلًا. وهو مروي عن ابن عباس. وقيل: مقرًا، وهو مروي عن عطاء. وقيل: مجلسًا وهو مروي عن العتبيّ. وقال مجاهد: مرتفقًا أي مجتمعًا. فهو عنده مكان الارتفاق بمعنى مرافقة بعضهم لبعض في النار.
وحاصل معنى الأقوال: أن النار بئس المستقر هي، وبئس المقام هي. ويدل لهذا قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦)} ، وكون أصل الارتفاق هو الاتكاء على المرفق، معروف في كلام العرب، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
نام الخليُّ وبتُّ الليل مرتفقًا ... كأنَّ عَينيَ فيها الصابُ مذبوحُ
ويروى "وبت الليل مشتجرًا" وعليه فلا شاهد في البيت. ومنه قول أعشى باهلة:
قد بتُّ مرتفقًا للنجم أرقبه ... حيران ذا حذر لو ينفع الحذر
وقول الراجز:
قالت له وارتفقت: ألا فتًى ... يسوق بالقومِ غزالات الضُّحى
وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفات هذا الشراب، الذي يسقى به أهل النار، جاء نحوه في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤)} ، وقوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)} ، وقوله تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ (٥)} ، وقوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَينَهَا