وقوله في هذه الآية:{ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} كقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)}، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧)} أي بعد أن كان نطفة صار إنسانًا خصيمًا شديد الخصومة في توحيد ربه. وقوله:{سَوَّاكَ} أي خلقك مستوي الأجزاء، معتدل القامة والخلق، صحيح الأعضاء في أكمل صورة، وأحسن تقويم؛ كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْويمٍ (٤)}، وقوله:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨)}، وقوله:{رَجُلًا} أي ذكرًا بالغًا مبلغ الرجال، وربما قالت العرب للمرأة: رجلة، ومنه قول الشاعر:
كل جار ظل مغتبطًا ... غير جيران بني جبله
مزقوا ثوب فتاتهم ... لم يراعوا حرمة الرَّجُله
وانتصاب {رَجُلًا} على الحال. وقيل مفعول ثان لـ"سَوَّى" على تضمينه معنى: جعلك أو صيرك رجلًا. وقيل: هو تمييز. وليس بظاهر عندي، والظاهر أن الإنكار المدلول عليه بهمزة الإنكار في قوله:{أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} مضمن معنى الاستبعاد، لأنه يستبعد جدًّا كفر المخلوق بخالقه، الذي أبرزه من العدم إلى الوجود، ويستبعد إنكار البعث ممن علم أن الله خلقه من