تراب، ثم من نطفة، ثم سواه رجلًا؛ كقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ... } الآية. ونظير الآية في الدلالة على الاستبعاد لوجود موجبه قول الشاعر:
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة ... يرى غمرات الموت ثم يزورها
لأن من عاين غمرات الموت يستبعد منه اقتحامها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨)} بين فيه أن هذا الرجل المؤمن قال لصاحبه الكافر: أنت كافر! لكن أنا لست بكافر! بل مخلص عبادتي لربي الذي خلقني، أي لأنه هو الذي يستحق مني أن أعبده، لأن المخلوق محتاج مثلي إلى خالق يخلقه، تلزمه عبادة خالقه كما تلزمني. ونظير قول هذا المؤمن ما قدمنا عن الرجل المؤمن المذكور في "يس" في قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أي أبدعني وخلقني وإليه ترجعون. وما قدمنا عن إبراهيم في قوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلا رَبَّ الْعَالمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) ... } الآية، وقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إلا الَّذِي فَطَرَنِي} الآية.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} بعد قوله: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} يدل على أن الشك في البعث كفر بالله تعالى. وقد صرح بذلك في أول سورة "الرعد" في قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)} .
وقوله في هذه الآية الكريمة:{لَكِنَّا} أصله "لكن أنا"