وأما أقوال العلماء في المراد بلفظة "بين" فعلى قول الحسن ومن وافقه: أن الموبق العداوة، فالمعنى واضح؛ أي وجعلنا بينهم عداوة؛ كقوله: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ... (٦٧)} الآية، وقوله:{وَقَال إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَينِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ... } الآية، إلى غير ذلك من الآيات. ولكن تفسير الموبق بالعداوة بعيد كما قدمنا. وقال بعض العلماء: المراد بالبين في الآية: الوصل؛ أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا ملكًا لهم يوم القيامة؛ كما قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦)} أي المواصلات التي كانت بينهم في الدنيا. وكما قال: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيهِمْ ضِدًّا (٨٢)} ، وكما قال تعالى:{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ونحو ذلك من الآيات. وقال بعض العلماء: {وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ مَوْبِقًا (٥٢)}: جعلنا الهلاك بينهم؛ لأن كلًّا منهم معين على هلاك الآخر لتعاونهم على الكفر والمعاصي فهم شركاء في العذاب؛ كما قال تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)} ، وقوله: {قَال لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (٣٨)} ومعنى هذا القول مروي عن ابن زيد. وقال بعض العلماء: {وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ مَوْبِقًا (٥٢)}: أي بين المؤمنين والكافرين موبقًا، أي مهلكًا يفصل بينهم، فالداخل فيه في هلاك، والخارج عنه في عافية.
وأظهر الأقوال عندي وأجراها على ظاهر القرآن، أن المعنى: وجعلنا بين الكفار وبين من كانوا يعبدونهم ويشركونهم مع الله موبقًا أي مهلكًا؛ لأن الجميع يحيط بهم الهلاك من كل جانب،