ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له، مبينا أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله:{قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآية. فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة. ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة؛ لأن دم الإستحاضة ليس في الاستقذار كدم الحيض، ولا كنجاسة الدبر؛ لأنه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح، ومما يؤيد منع الوطء في الدبر إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب. قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء في ذلك، إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي: أن الرتقاء لا ترد بالرتق. والفقهاء كلهم على خلاف ذلك. قال القرطبي: وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج. فإن قيل: قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل، فلا ينافي أنها توطأ في الدبر. فالجواب أن العقم لا يرد به، ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجبا للرد.
وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به في تفسير قوله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} الآية. فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام، فاعلم أن من روى عنه جواز ذلك كابن عمر، وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين، والمتأخرين، يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها