فإذا وهن دل على ضعف جميع البدن؛ لأنه أشد ما فيه وأصلبه، فوهنه يستلزم وهن غيره من البدن.
وقوله:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيبًا} الألف واللام في {الرَّأْسُ} قاما مقام المضاف إليه. إذ المراد: واشتعل رأسي شيبًا. والمراد باشتعال الرأس شيبًا: انتشار بياض الشيب فيه. قال الزمخشري في كشافه؛ شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه، وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزًا، ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكرياء. فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة. انتهى منه. والظاهر عندنا كما بينا مرارًا: أن مثل هذا من التعبير عن انتشار بياض الشيب في الرأس باشتعال الرأس شيبًا أسلوب من أساليب اللغة العربية الفصحى جاء القرآن به، ومنه قول الشاعر:
ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما أرعويت وشيبًا رأسي اشتعلا
ومن هذا القبيل قول ابن دريد في مقصورته:
واشتعل المبيض في مسوده ... مثل اشتعال النار في جزل الغضا
وقوله:{شَيبًا} تمييز محول عن الفاعل في أظهر الأعاريب. خلافًا لمن زعم أنه ما ناب عن المطلق من قوله:{وَاشْتَعَلَ} لأنه اشتعل بمعنى شاب، فيكون {شَيبًا} مصدرًا منه في المعنى؛ ومن زعم أيضًا أنه مصدر منكر في موضع الحال.
وهذا الذي ذكره الله هنا عن زكرياء في دعائه من إظهار