الضعف والكبر جاء في مواضع أخر؛ كقوله هنا: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)}، وقوله في "آل عمران": {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ .. } الآية. وهذا الذي ذكره هنا من إظهار الضعف يدل على أنه ينبغي للداعي إظهار الضعف والخشية والخشوع في دعائه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)} أي لم أكن بدعائي إياك شقيًّا، أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك، يعني أنك عودتني الإجابة فيما مضى. والعرب تقول: شقى بذلك إذا تعب فيه ولم يحصل مقصوده. وربما أطلقت الشقاء على التعب، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧)} وأكثر ما يستعمل في ضد السعادة. ولا شك أن إجابة الدعاء من السعادة، فيكون عدم إجابته من الشقاء.
معنى قوله:{خِفْتُ الْمَوَالِيَ} أي خفت أقاربي وبني عمي وعصبتي: أن يضيعوا الدين بعدي، ولا يقوموا لله بدينه حق القيام، فارزقني ولدًا يقوم بعدي بالدين حق القيام. وبهذا التفسير تعلم أن معنى قوله {يَرِثُنِي} أنه إرث علم ونبوة، ودعوة إلى الله وقيام بدينه، لا إرث مال. ويدل لذلك أمران:
أحدهما: قوله: {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} ومعلوم أن آل يعقوب انقرضوا من زمان، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين.
والأمر الثاني: ما جاء من الأدلة على أن الأنبياء صلوات الله