بقميصه فجبذه؛ فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن هذا، أو ينهى عن ذلك؟ قال: بلى، ذكرت ذلك حين مددتني. وروى أيضًا عن عدي بن ثابت الأنصاري قال: حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن؛ فأقيمت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة. فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم" أو نحو ذلك؟ فقال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي.
قلت: فهؤلاء ثلاثة من الصحابة قد أخبروا بالنهي عن ذلك، ولم يحتج أحد منهم على صاحبه بحديث المنبر؛ فدل على أنه منسوخ، ومما يدل على نسخه: أن فيه عملًا زائدًا في الصلاة وهو النزول والصعود، فنسخ كما نسخ الكلام والسلام. وهذا أولى مما اعتذر به أصحابنا من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معصومًا من الكبر؛ لأن كثيرًا من الأئمة يوجدون لا كبر عندهم. ومنهم من علله بأن ارتفاع المنبر كان يسيرًا، والله أعلم. انتهى كلام القرطبي رحمه الله تعالى.
قال مقيده -عفا الله عنه-: سنتكلم هنا إن شاء الله تعالى على الأحاديث المذكورة، ونبين أقوال العلماء في هذه المسألة، وأدلتهم وما يظهر رجحناه بالدليل.
أما الحديثان اللذان ذكرهما القرطبي عن أبي داود فقد ساقهما أبو داود في سننه حدثنا أحمد بن سنان وأحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي المَعْنيّ قال: ثنا يعلى ثنا الأعمش عن إبراهيم عن