للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرًا، أي: وجعلناه كثير البر بوالديه، أي محسنًا إليهما، لطيفًا بهما، لين الجانب لهما. وقوله: {وَبَرًّا} معطوف على قوله: {تَقِيًّا (١٣) وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤)} أي لم يكن مستكبرًا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان مطيعًا لله، متواضعًا لوالديه، قاله ابن جرير. والجبار: هو كثير الجبر، أي القهر للناس، والظلم لهم. وكل متكبر على الناس يظلمهم، فهو جبار. وقد أطلق في القرآن على شديد البطش في قوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠)} وعلى من يتكرر منه القتل في قوله: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} الآية. والظاهر أن قوله: {عَصِيًّا (١٤)} فعول قلبت فيه الواو ياء وأدغمت في الياء على القاعدة التصريفية المشهورة؛ التي عقدها ابن مالك في الخلاصة بقوله:

إن يسكنِ السابقُ من واوٍ ويا ... واتَّصلا ومن عُرُوضٍ عَرِيا

فياءً الواوَ اقلبنَّ مُدْغمًا ... وشذَّ مُعْطًى غيرَ ما قد رُسِما

فأصل {عَصِيًّا (١٤)} على هذا "عصويًا" كصبور، أي كثير العصيان. ويحتمل أن يكون أصله فعيلًا وهي من صيغ المبالغة أيضًا، قاله أبو حيان في البحر.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَسَلَامٌ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)} قال ابن جرير: وسلام عليه، أي: أمان له. وقال ابن عطية: والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة، فهي أشرف من الأمان؛ لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهو أقل درجاته، وإنما الشرف في أن سلم الله عليه وحيَّاه في المواطن