للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما قالوا، أشارت إلى عيسى ليكلموه؛ كما قال تعالى عنها: {فَأَشَارَتْ إِلَيهِ قَالُوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)} وإشارتها إليه ليكلموه قرينة على أنها عرفت قبل ذلك أنه يتكلم على سبيل خرق العادة لندائه لها عندما وضعته. وبهذه القرينة الأخيرة استدل سعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه على أنه عيسى؛ كما نقله عنه غير واحد. و"أن" في قوله: {أَلَّا تَحْزَنِي} هي المفسرة، فهي بمعنى: أي. وضابط "أن" المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه كما هنا. فالنداء فيه بمعنى القول دون حروفه ومعنى كونها مفسرة: أن الكلام الذي بعدها هو معنى ما قبلها؛ فالنداء المذكور قبلها هو: لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريًّا.

واختلف العلماء في المراد بالسري هنا. فقال بعض العلماء: هو الجدول وهو النهر الصغير؛ لأن الله أجرى لها تحتها نهرًا؛ وعليه فقوله تعالى: {فَكُلِي} أي: من الرطب المذكور في قوله: {تُسَاقِطْ عَلَيكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥){وَاشْرَبِي} أي: من النهر المذكور في قوله: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)} وإطلاق السريّ على الجدول مشهور في كلام العرب؛ ومنه قول لبيد في معلقته:

فتوسَّطا عُرْض السَّريِّ وصدَّعا ... مسجورة متجاورًا قُلّامها

وقول لبيد أيضًا يصف نخلًا نابتًا على ماء النهر:

سُحُق يُمَتِّعها الصفا وسَرِيُّه ... عُمٌّ نواعمُ بينهنَّ كرومُ

وقول الآخر:

سهلُ الخليقة ماجدٌ ذو نائلٍ ... مثل السَّرِيِّ تمدُّه الأنهار