كان جذعًا يابسًا؛ فلما هزته جعله الله نخلة ذات رطب جنيّ. وقال بعض العلماء: كان الجذع جذع نخلة نابتة إلا أنها غير مثمرة، فلما هزته أنبت الله فيه الثمر وجعله رطبًا جنيًّا. وقال بعض العلماء: كانت النخلة مثمرة، وقد أمرها الله بهزها ليتساقط لها الرطب الذي كان موجودًا. والذي يفهم من سياق القرآن: أن الله أنبت لها ذلك الرطب على سبيل خرق العادة، وأجرى لها ذلك النهر على سبيل خرق العادة. ولم يكن الرطب والنهر موجودين قبل ذلك، سواء قلنا إن الجذع كان يابسًا أو نخلة غير مثمرة، إلا أن الله أنبت فيه الثمر وجعله رطبًا جنيًّا. ووجه دلالة السياق على ذلك أن قوله تعالى:{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَينًا} يدل على أن عينها إنما تقر في ذلك الوقت بالأمور الخارقة للعادة؛ لأنها هي التي تبين براءتها مما اتهموها به. فوجود هذه الخوارق من تفجير النهر، وإنبات الرطب، وكلام المولود تطمئن إليه نفسها وتزول به عنها الريبة، وبذلك يكون قرة عين لها؛ لأن مجرد الأكل والشرب مع بقاء التهمة التي تمنت بسببها أن تكون قد ماتت من قبل وكانت نسيًا منسيًّا، لم يكن قرة لعينها في ذلك الوقت كما هو ظاهر. وخرق الله لها العادة بتفجير الماء، وإنبات الرطب، وكلام المولود لا غرابة فيه. وقد نص الله جل وعلا في "آل عمران" على خرقه لها العادة في قوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَال يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ (٣٧)}. قال العلماء: كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف. وإجراء النهر وإنبات الرطب ليس أغرب من هذا المذكور في سورة "آل عمران".