للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسألة

أخذ بعض العلماء من قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ .. } الآية. أن السعي والتسبب في تحصيل الرزق أمر مأمور به شرعًا، وأنه لا ينافي التوكل على الله جل وعلا. وهذا أمر كالمعلوم من الدين بالضرورة، أن الأخذ بالأسباب في تحصيل المنافع ودفع المضار في الدنيا أمر مأمور به شرعًا لا ينافي التوكل على الله بحال؛ لأن المكلف يتعاطى السبب امتثالًا لأمر ربه مع علمه ويقينه أنه لا يقع إلا ما يشاء الله وقوعه. فهو متوكل على الله، عالم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له من خير أو شر. ولو شاء الله تخلُّفَ تأثير الأسباب عن مسبباتها لتخلف.

ومن أصرح الأدلة في ذلك: قوله تعالى: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩) .. } الآية. فطبيعة الإحراق في النار معنى واحد لا يتجزأ إلى معان مختلفة، ومع هذا أحرقت الحطب فصار رمادًا من حرها في الوقت الذي هي فيه كائنة بردًا وسلامًا على إبراهيم. فدل ذلك دلالة قاطعة على أن التأثير حقيقة إنما هو بمشيئة خالق السموات والأرض، وأنه يسبب ما شاء من المسببات على ما شاء من الأسباب، وأنه لا تأثير لشيء من ذلك إلا بمشيئته جل وعلا.

ومن أوضح الأدلة في ذلك: أنه ربما جعل الشيء سببًا لشيء آخر مع أنه مناف له؛ كجعله ضرب مَيِّت بني إسرائيل ببعض من بقرة مذبوحة سببًا لحياته، وضربه بقطعة ميتة من بقرة ميتة مناف لحياته. إذ لا تكسب الحياة من ضرب بميت؟ وذلك يوضح أنه