للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جل وعلا يسبب ما شاء من المسببات على ما شاء من الأسباب، ولا يقع تأثير البتة إلا بمشيئته جل وعلا.

ومما يوضح أن تعاطي الأسباب لا ينافي التوكل على الله: قوله تعالى عن يعقوب: {وَقَال يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} أمرهم في هذا الكلام بتعاطي السبب، وتسبب في ذلك بالأمر به؛ لأنه يخاف عليهم أن تصيبهم الناس بالعين لأنهم أحد عشر رجلًا أبناء رجل واحد، وهم أهل جمال وكمال وبسطة في الأجسام. فدخولهم من باب واحد مظنة لأن تصيبهم العين، فأمرهم بالتفرق والدخول من أبواب متفرقة تعاطيًا للسبب في السلامة من إصابة العين؛ كما قال غير واحد من علماء السلف. ومع هذا التسبب فقد قال الله عنه: {وَقَال يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيءٍ إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)}. فانظر كيف جمع بين التسبب في قوله: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} وبين التوكل على الله في قوله: {عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)} وهذا أمر معلوم لا يخفى إلا على من طمس الله بصيرته. والله جل وعلا قادر على أن يسقط لها الرطب من غير هز الجذع، ولكنه أمرها بالتسبب في إسقاطه بهز الجذع. وقد قال بعضهم في ذلك:

ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يسَّاقط الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل شيء له سبب

وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة: أن خير ما تطعمه النفساء الرطب. قالوا: لو كان شيء أحسن للنفساء من