بالإشارة الذي هو أصل الديانة الذي يحرز به الدم والمال، وتُستحق به الجنة، ويُنجى به من النار، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك، فيجب أن تكون الإشارة عاملة في سائر الديانة، وهو قول عامة الفقهاء. وروى ابن القاسم عن مالك: أن الأخرس إذا أشار بالطلاق أنه يلزمه. وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه: فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق. وقال أبو حنيفة: ذلك جائز إذا كانت إشارته تعرف. وإن شك فيها فهذا باطل، وليس ذلك بقياس، وإنما هو استحسان. والقياس في هذا كله أنه باطل؛ لأنه لا يتكلم ولا تعقل إشارته. انتهى محل الغرض من كلام القرطبي رحمه الله.
وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة تدل على قيام الإشارة مقام الكلام في أشياء متعددة، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فضرب بيديه فقال:"الشهر هكذا وهكذا وهكذا -ثم عقد إبهامه في الثالثة- فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغميَ عليكم فاقدروا له ثلاثين" هذا لفظ مسلم في صحيحه، وهو صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - نزل إشارته بأصابعه -إلى أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما، وقد يكون ثلاثين- منزلة نطقه بذلك. وقال النووي في شرح مسلم في الكلام على هذا الحديث: وفي هذا الحديث جواز اعتماد الإشارة المفهمة في مثل هذا. وحديث ابن عمر هذا أورده البخاري في باب (اللعان) مستدلًا به على أن الإشارة كاللفظ. وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه أحاديث كثيرة تدل على جعل الإشارة كالنطق، قال رحمه الله تعالى: (باب الإشارة في الطلاق