مؤمنة" فجعل إشارتها كنطقها في الإيمان الذي هو أصل الديانات. وهو الذي يُعصم به الدم والمال، وتستحق به الجنة، وينجى به من النار. والقصة مشهورة مروية عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة، وابن عباس، ومعاوية بن الحكم السلمي، والشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنهم. وفي بعض رواياتهم: أنهم أشارت إلى السماء.
قال أبو داود في سننه: حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا يزيد بن هارون، قال أخبرني المسعودي عن عون بن عبد الله، عن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بجارية سوداء فقال: يا رسول الله، إن عليَّ رقبة مؤمنة؟ فقال لها: "أين الله"؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها فقال لها: "فمن أنا"؟ فأشارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى السماء، يعني أنت رسول الله. فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة". والظاهر حمل الروايات التي فيها أنه لما قال لها: أين الله قالت: في السماء من غير ذكر الإشارة، على أنها قالت ذلك بالإشارة؛ لأن القصة واحدة والروايات يفسر بعضها بعضًا.
وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره في سورة "آل عمران" في الكلام على قوله تعالى: {قَال آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا} ما نصه: في هذه الآية دليل على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام، وذلك موجود في كثير من السنة، وآكد الإشارات ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر السوداء حين قال لها: "أين الله"؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقال: "اعتقها فإنها مؤمنة"، فأجاز الإسلام