وقال بعض العلماء من الحنفية: إن القياس منع اعتبار إشارة الأخرس؛ لأنها لا تفهم كالنطق في الجميع، وأنهم أجازوا العمل بإشارة الأخرس في غير اللعان والقذف على سبيل الاستحسان، والقياس المنع مطلقًا.
ومذهب الشافعي في هذه المسألة: اعتبار إشارة الأخرس في اللعان وغيره، وعدم اعتبار إشارة السليم.
وأما مذهب الإمام أحمد: فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا لعان إن كان أحد الزوجين أخرس، كما قدمنا توجيهه في مذهب أبي حنيفة. وقال القاضي وأبو الخطاب: إن فهمت إشارة الأخرس فهو كالناطق في قذفه ولعانه. وأما طلاق الأخرس ونكاحه وشبه ذلك فالإشارة فيه كالنطق في مذهب الإمام أحمد. وأما السليم: فلا تقبل عنده إشارته بالطلاق ونحوه.
هذا حاصل كلام الأئمة وغيرهم من فقهاء الأمصار في هذه المسألة. وقد رأيت ما جاء فيها من أدلة الكتاب والسنة.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: الذي يظهر لي رجحانه في المسألة: أن الإشارة إن دلت على المعنى دلالة واضحة لا شك في المقصود معها أنها تقوم مقام النطق مطلقًا، ما لم تكن في خصوص اللفظ أهمية مقصودة من قبل الشارع، فإن كانت فلا تقوم الإشارة مقامه كأيمان اللعان، فإن الله نص عليها بصورة معينة. فالظاهر أن الإشارة لا تقوم مقامها، وكجميع الألفاظ المتعبد بها فلا تكفي فيها الإشارة، والله جل وعلا أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}