واحتج من قال بأن الورود: الإشراف والمقاربة بقوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ... } الآية. قال: فهذا ورود مقاربة وإشراف عليه. وكذا قوله تعالى:{فَأَرْسَلُوْا وَارِدَهُمْ ... } الآية. ونظيره من كلام العرب قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
فلما وردن الماء زرقًا جمامه ... وضعن عصى الحاضر المتخيم
قالوا: والعرب تقول: وردت القافلة البلد وإن لم تدخله، ولكن قربت منه. واحتج من قال بأن الورود في الآية التي نحن بصددها؛ ليس نفس الدخول بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢)} قالوا: إبعادهم عنها المذكور في هذه الآية يدل على عدم دخولهم فيها؛ فالورود غير الدخول.
واحتج من قال: بأن ورود النار في الآية بالنسبة للمؤمنين -حر الحمى في دار الدنيا- بحديث:"الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء" وهو حديث متفق عليه من حديث عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر، وابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم. ورواه البخاريّ أيضًا مرفوعًا عن ابن عبَّاس.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: قد دلت على أن الورود في الآية معناه الدخول أدلة: الأول: هو ما ذكره ابن عبَّاس رضي الله عنهما من أن جميع ما في القرآن من ورود النار معناه دخولها غير محل النزاع، فدل ذلك على أن محل النزاع كذلك، وخير ما يفسر به القرآن القرآن. الدليل الثاني: هو أن في نفس الآية قرينة دالة على ذلك، وهي أنَّه تعالى لما خاطب جميع الناس بأنهم