مُنْقَلَبًا (٣٦)}، وقوله:{وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، إلى غير ذلك من الآيات. فكل هذه الآيات دالة على أنهم لجهلهم يظنون أن الله لم يعطهم نصيبًا من الدنيا إلَّا لرضاه عنهم، ومكانتهم عنده، وأن الأمر في الآخرة سيكون كذلك.
وقد أبطل الله تعالى دعواهم هذه في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)} والمعنى: أهلكنا قرونًا كثيرة، أي: إنما كانت قبلهم وهم أكثر نصيبًا في الدنيا منهم، فما منعهم ما كان عندهم من زينة الدنيا ومتاعها من إهلاك الله إياهم لما عصوا وكذبوا رسله، فلو كان الحظ والنصيب في الدنيا يدل على رضا الله والمكانة عنده، لما أهلك الذين من قبلكم، الذين هم أحسن أثاثًا ورئيًا منكم.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{وَكَمْ} هي الخبرية، ومعناها الإخبار بعدد كثير، وهي في محلِّ نصب على المفعول به لأهلكنا، أي: أهلكنا كثيرًا. و {مِنْ} مبينة لـ {وَكَمْ} وكل أهل عصر قَرْن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم. قيل: سموا قرنًا لاقترانهم في الوجود. والأثاث: متاع البيت. وقيل: هو الجديد من الفرش. وغير الجديد منها يسمى "الخُرْثيّ" بضم الخاء وسكون الراء والثاء المثلثة بعدها ياء مشددة. وأنشد لهذا التفصيل الحسن بن علي الطوسي قول الشاعر:
تقادم العهد من أم الوليد بنا ... دهرًا وصار أثاث البيت خُرْثيّا
والإطلاق المشهور في العربية هو إطلاق الأثاث على متاع