وقياس هذه ينتج منه الضربان العقيمان في قياس التي قبلها، ويعقم منه الضربان المنتجان في قياس التي قبلها. فتبين أن استثناء نقيض كل واحد من الطرفين في قياس هذه الأخيرة ينتج عين الآخر، وأن استثناء عين الواحد منهما لا ينتج شيئًا.
فقولنا في المثال السابق: الجسم إما غير أبيض وإما غير أسود لو قلت فيه: لكنه أبيض، أنتج فهو غير أسود. ولو قلت: لكنه أسود، أنتج فهو غير أبيض، بخلاف ما لو قلت: لكنه غير أبيض، فلا ينتج نفي الطرف الآخر ولا وجوده؛ لأن غير الأبيض يجوز أن يكون أسود، ويجوز أن يكون غير أسود بل أحمر أو أصفر؛ وكذلك لو قلت: لكنه غير أسود، لم يلزم منه نفي الطرف الآخر ولا إثباته؛ لأن غير الأسود يجوز أن يكون أبيض وغير أبيض لكونه أحمر مثلًا. هذه خلاصة موجزة عن هذا الدليل المذكور في نظر المنطقيين.
المسألة الخامسة
اعلم أن لهذا الدليل آثارًا تاريخية، وسنذكر هنا إن شاء الله بعضها.
فمن ذلك: أن هذا الدليل العظيم جاء في التاريخ: أنه أول سبب لضعف المحنة العظمى على المسلمين في عقائدهم بالقول بخلق القرآن العظيم. وذلك أن محنة القول بخلق القرآن نشأت في أيام المأمون، واستفحلت جدًا في أيام المعتصم، واستمرت على ذلك في أيام الواثق. وهي في جميع ذلك التاريخ قائمة على ساق وقدم.