للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه مَنَّ على موسى مرة أخرى قبل مَنِّهِ عليه بالرسالة ورسالة أخيه معه، وذلك بإنجائه من فرعون وهو صغير، إذ أوحى إلى أمه، أي: ألهمها وقذف في قلبها، وقال بعضهم: هي رؤيا منام. وقال بعضهم: أوحى إليها ذلك بواسطة ملك كلَّمها بذلك. ولا يلزم من الإيحاء في أمر خاص أن يكون الموحى إليه نبيًّا، و {أَنِ} في قوله: {أَنِ اقْذِفِيهِ} هي المفسرة؛ لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه. والتعبير بالموصول في قوله: {مَا يُوحَى (٣٨)} للدلالة على تعظيم شأن الأمر المذكور، كقوله: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وقوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)} والتابوت: الصندوق. واليم: البحر. والساحل: شاطئ البحر. والبحر المذكور: نيل مصر. والقذف: الإلقاء والوضع، ومنه قوله تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}. ومعنى {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} أي ضعيه في الصندوق. والضمير في قوله: {أَنِ اقْذِفِيهِ} راجع إلى موسى بلا خلاف. وأما الضمير في قوله: {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} وقوله: {فَلْيُلْقِهِ} فقيل: راجع إلى التابوت. والصواب رجوعه إلى موسى في داخل التابوت؛ لأن تفريق الضمائر غير حسن، وقوله: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} هو فرعون، وصيغة الأمر في قوله: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} فيها وجهان معروفان عند العلماء:

أحدهما: أن صيغة الأمر معناها الخبر. قال أبو حيان في البحر المحيط: و {فَلْيُلْقِهِ} أمر معناه الخبر، وجاء بصيغة الأمر مبالغة، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها.

الوجه الثاني: أن صيغة الأمر في قوله: {فَلْيُلْقِهِ} أريد بها