الأمر الكوني القدري، كقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} فالبحر لابد أن يلقيه بالساحل؛ لأن الله أمره بذلك كونًا وقدرًا. وقد قدمنا ما يشبه هذين الوجهين في الكلام على قوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآيات، أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في "القصص": {وَأَوْحَينَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، وقد بين تعالى شدة جزع أمه عليه لما ألقته في البحر، وألقاه اليم بالساحل وأخذه عدوه فرعون = في قوله تعالى:{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{يَأْخُذْهُ} مجزوم في جواب الطلب الذي هو {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}، وعلى أنه بمعنى الأمر الكوني فالأمر واضح. وعلى أنه بمعنى الخبر فالجزم مراعاة لصيغة اللفظ. والعلم عند الله تعالى. وذكر في قصتها أنها صنعت له التابوت وطلته بالقار -وهو الزفت- لئلا يتسرب منه الماء إلى موسى في داخل التابوت، وحشته قطنًا محلوجًا. وقيل: إن التابوت المذكور من شجر الجميز، وأن الذي نَجَره لها هو مؤمن آل فرعون، قيل: واسمه حزقيل. وكانت عقدت في التابوت حبلًا فإذا خافت على موسى من عيون فرعون أرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا أمنت جذبته إليها بالحبل. فذهبت مرة لتشد الحبل في منزلها فانفلت منها وذهب البحر بالتابوت الذي فيه موسى فحصل لها بذلك من الغم والهم ما ذكره