فهي تلقف ما صنعوا. وقرأ حفص عن عاصم {تَلْقَفْ} بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف مخففة مع الجزم، مضارع "لَقِفه" بالكسر يَلْقَفه بالفتح ومعنى القراءتين واحد؛ لأن معنى تلقفه ولقفه إذا تناوله بسرعة، والمراد بقوله:{تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} على جميع القراءات أنها تبتلع كل ما زوروه وافتعلوه من الحبال والعصى التي خيلوا للناس أنها تسعى وصنعهم في قوله تعالى: {مَا صَنَعُوا} واقع في الحقيقة على تخييلهم إلى الناس بسحرهم أن الحبال والعصي تسعى، لا على نفس الحبال والعصي لأنها من صنع الله تعالى. ومن المعلوم أن كل شيء كائنًا ما كان بمشيئته تعالى الكونية القدرية.
وهذا المعنى الذي ذكره جل وعلا هنا في هذه الآية الكريمة، من كونه أمر نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يُلقي ما في يمينه أي يده اليمنى، وهو عصاه فإذا هي تبتلع ما يأفكون من الحبال والعصي التي خيلوا إليه أنها تسعى؛ أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في "الأعراف": {وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩)}، وقوله تعالى في "الشعراء": {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥)} فذِكْر العصا في "الأعراف، والشعراء" يوضح أن المراد بما في يمينه في "طه" أنه عصاه كما لا يخفى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {مَا يَأْفِكُونَ (٤٥)} أي يختلقونه ويفترونه من الكذب، وهو زعمهم أن الحبال والعصى تسعى حقيقة، وأصله من قولهم: أفكه عن الشيء يأفكه عنه، من